فصل: الخبر عن اجلاب عبد الله بن صغير وانتقاض أبي بكر بن عريف وبيعتهما للأمير أبي زيان ورجوع أبي بكر إلى الطاعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن اجلاب عبد الله بن صغير وانتقاض أبي بكر بن عريف وبيعتهما للأمير أبي زيان ورجوع أبي بكر إلى الطاعة:

كانت خالد بن عامر وابن أخيه عبد الله بن صغير وسائر إخوانهم من ولد عامر بن إبراهيم قد لحقوا بالمغرب صرخى ببني مرين لما وقع بينهم وبين أبي حمو من الفعلة التي فعل خالد معه ويئس عبد الله بن صغير من صريخهم بما عقد ونزمار بن عريف من السلم بين صاحب المغرب وصاحب تلمسان فخاض القفر بمن معه من قومه ولحق بوطن زغبة وأجلب على جبل راشد وبه العمور أحلاف سويد من بني هلال فاعترضتهم سويد ودارت بينهم حرب شديدة كان الظهور فيها لسويد عليهم وفي خلال ذلك فسد ما بين السلطان وبين أبي بكر بن عريف بسبب صاحب جبل وانشريس يوسف بن عمر بن عثمان أراده السلطان على النزول عن عمله فغضب له أبو بكر لقديم الصداقة بين سلفهما ووصل يده بعبد الله بن صغير بعد الواقعة ودعاه إلى بيعة أبي زيان فأجابه وأوفدوا رجالاتهم عليه بمكانه من مجالات رياح فوصلوه معهم ونصبوه للأمر وتحيز محمد بن عريف إلى السلطان في جموع سويد ونهض السلطان من تلمسان سنة سبع وسبعين وسبعمائة فيمن معه من قبائل بنى عبد الواد وعرب المعقل وزغبة ودس إلى أولياء أبي زيان يرغبهم في المواعيد وحكم أبا بكر في الاشتراط عليه ففاء إلى الطاعة والمخالصه ورجع أبو زيان إلى مكانه من حلل الزواودة وأغذ السلطان السير إلى حضرته فتملى أريكته وحدث بعد ذلك ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن وصول خالد بن عامر من المغرب والحرب التي دارت بينة وبين سويد وأبي تاشفين هلك فيها عبد الله بن صغير وإخوانه:

لما بلغ خالد بن عامر بمكانه من المغرب خبر عبد الله ابن أخيه صغير قفل من المغرب يئسا من مظاهرة بني مرين فخفق السعي في صريخه بهم لما كانوا عليه من افتراق الأمر كما ذكرناه قبل ووصل معه ساسي بن سليم في قومه بني يعقوب وتظاهر الحيان على العيث في بلاد أبي حمو واجتمع إليهم أبناء الفتنة من كل أوب فأجلبوا على الأطراف وشنوا الغارة في البلاد وجمع أولاد عريف لحربهم قومهم من سويد وأحلافهم من العطاف وبعثوا الصريخ إلى السلطان فستر لحرب عدوه وعدوهم ابنه أبا تاشفين ولي عهده في قومه وبرز لذلك في العساكر والجنود ولما انتهى إلى بلاد هوارة واضطرب عسكره بها أعجله صريخ أوليائه عن مناخ الركاب فاستعجل الرحلة ولحق بأوليائه أولاد عريف ومن معهم من أشياع الدولة من زغبة وأغذوا السير إلى واد هناك طرفي القلعة فتلاقى الجمعان وتواقفوا للقاء سائر يومهم واستضاؤا بإضرام النيران مخافة البيات وأصبحوا على التعبية وتمشت الرجالات في مواضعة الحرب فأعجبهم مناشبة القوم وتزاحفت الصفوف واعلم الكماة وكشفت الحرب عن ساقها وحمي الوطيس وهبت الريح المبشرة فخفقت لها رايات الأمير وهدرت طبوله ودارت رحى الحرب وصمدت إليها كتائب العرب فبرئ فيها الأبطال منهم وانكشفوا وأجلت المعركة عن عبد الله ابن صغير صريعا فأمر أبو تاشفين فاحتز رأسه وطير به البريد إلى أبيه ثم عثرت المواكب بأخيه ملوك بن صغير مع العباس ابن عمه موسى بن عامر ومحمد بن زيان من وجوه عشيرتهم متواقعين بجنودهم متضاجعين في مراقدهم كأنما أقعدوا للردى فوطأتهم سنابك الخيل وغشيهم قتام المراكب وأطلقت العساكر أعنتها في اتباع القوم فاستاقوا نعمهم وأموالهم وكثرت يومئذ الأنفال وغشيهم الليل فتستروا بجناحه ولحقهم فلهم بجبل راشد وأطرب أبو تاشفين أباه بمشتهى ظهوره وأملاه السرور بما صنع إليه على يده وما كان له ولقومه من الأثر في مظاهرة أوليائه وطار له بها ذكر على الأيام ورجع إلى أبيه بالحضرة مملوء الحقائب بالأنفال والجوانح والسرور والأيام بالذكر عنه وعن قومه ومضى خالد لوجهه في فل من قومه ولحق بجبل راشد إلى أن كان من أمره ما نذكره إن شاء إليه والله تعالى أعلم.

.الخبر عن انتقاض سالم بن إبراهيم ومظاهرته خالد بن عامر على الخلاف وبيعتهما للأمير أبي زيان ثم مهلك خالد ومراجعة سالم الطاعة وخروج أبي زيان إلى بلاد الجريد:

كان سالم بن إبراهيم هذا كبير الثعالبة المتغلبين على حصن متيجة منذ انقراض مليكش وكانت الرياسة فيهم لأهل بيته حسبما ذكرناه في أخبارهم عند ذكر المعقل ولما كانت فتنة أبي زيان بعد نكبة أبي حمو على بجاية وهبت ريح العرب واستغلظ أمرهم وكان سالم هذا أول من غمس يده في تلك الفتنة ومكر بعلي بن غالب من بيوتات الجزائر كان مغربا عنها منذ تغلب بني مرين على المغرب الأوسط أيام بني عثمان ولحق بها عندما أظلم الجو بالفتنة واستحكمت نفرة أهل الجزائر عن أبي حمو فأظهر بها الاستبداد واجتمع بها إليه الأوشاب والطغام ونكره سالم أمير الضاحية أطمعه في الاستيلاء على الجزائر فداخل فى شأنه الملأ من أهل المدينة وحذرهم منه أنه يروم الدعوة للسلطان أبي حمو فاستشاطوا نفرة وثاروا به حتى إذا رأى سالم أنه قد أحيط به خلصه من أيديهم وأخرجه إلى حيه وأبلغه إلى هنالك وحول دعوة الجزائر إلى الأمير أبى زيان تحت استبداده حتى إذا كان من أمر بني مرين وحلول السلطان عبد العزيز بتلمسان كما قدمناه أقام دعوتهم في الجزائر إلى حين ملكه ورجوع أبي حمو إلى تلمسان وأقبل جيش أبي زيان إلى تيطري فأقام سالم هذا دعوته في أحيائه وفي بلد الجزائر خشية على نفسه من السلطان أبي حمو لما كان يعتمد عليه في الادالة من أمره بالجزائر بأمر ابن عمه ولما كان من خروج أبي زيان إلى أحياء رياح على يد محمد بن عريف ما قدمناه واقتضى سالم عهده من السلطان وولي سالم على الجزائر أقام سالم على أمره من الاستبداد بتلك الأعمال واستضافة جبايتها لنفسه وأوعز السلطان إلى سائر عماله باستيفاء جبايتها فاستراب وبقي في أمره على المداهنة.
وحدثت إثر ذلك فتنة خالد بن عامر فتربص دوائرها رجاء أن يكون الغلب له فيشغل السلطان عنه ثم بدا له ما لم يحتسب وكان الغلب للسلطان ولأوليائه وكان قد حدثت بينه وبين بني عريف عداوة خشي أن يحمل السلطان على النهوض إليه فبادر إلى الإنتقاض على أبي حمو واستقدم الأمير أبو زيان فقدم عليه وجأجأ بخالد بن عامر من المخالفين معه من العرب فوصلوا إليه أول سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وعقد بينهم حلفا مؤكدا وأقام الدعوة للأمير أبي زيان بالجزائر ثم زحفوا إلى حصار مليانة وبها حامية السلطان فامتنعت عليهم ورجعوا إلى الجزائر فهلك خالد بن عامر على فراشه ودفن بها وولي أمر قومه من بعده المسعود ابن أخيه صغير ونهض إليهم السلطان أبو حمو من تلمسان في قومه وأوليائه من العرب فامتنعوا بجبال حصين وناوشتهم جيوش السلطان القتال بأسافل الجبل فغلبوهم عليها وانفضت الناجعة عنهم من الديلم والعطاف وبني عامر فلحقوا بالقفر ورأى سالم أصحابه أن قد أحيط بهم فلاذ بالطاعة وحمل عيها أصحابه وعقد لهم السلطان من ذلك ما أرادوه على أن يفارقوا الأمير أبا زيان ففعلوا وارتحل عنهم فلحق ببلاد المغرب ريغ ثم أجازها إلى نفطة من بلاد الجريد ثم إلى توزر فنزل على مقدمها يحيى بن يملول فأكرم نزله وأوسع قراره إلى أن كان من أمره ما نذكر.
ورجع السلطان أبو حمو إلى تلمسان وفي نفسه من سالم حرارة لكثرة اضطرابه ومراجعته الفتن حتى توسط فصل الشتاء وأبعدت العرب في مشاتيها فنهض من تلمسان في جيوش زناتة وأغذ السير فصبح بحصن منيجة بالغارة الشعواء وأجفلت الثعالبة فلحقوا برؤوس الجبال وامتنع سالم بجبل بني خليل وبعثوا ابنه وأولياءه إلى الجزائر فامتنعوا بها وحاصروه أياما ثم غلبوه على مكامنه فانتقل إلى بني ميسرة من جبال صنهاجة وخلف أهله ومتاعه وصار الكثير من الثعالبة إلى الطاعة وابتهلوا بأمان السلطان وعهده إلى فحص متيجة وبعث هو أخاه ثانيا إلى السلطان بانتقاضه العهد ونزل من رأس ذلك الشاهق إلى ابنه أبي تاشفين فأوصله إلى السلطان إحدى ليالي العشر الأواخر من رمضان فأخفر عهده وذمة ابنه وتقبض عليه صبيحة ليلته وبعث قائده إلى الجزائر فاستولى عليها وأقام دعوته بها وأوفد عليه مشيختها فتقبض عليهم وعقد على الجزائر لوزيره موسى بن مرعوت ورجع إلى تلمسان فقضى بها عيد النحر ثم أخرج سالم بن إبراهيم من محبسه إلى خارج البلد وقتل قعصا بالرماح ونصب شلوه وأصبح مثلا للآخرين ولله البقاء.
وعقد السلطان لابنه المنتصر على مليانة وأعمالها ولابنه أبي زيان على وفران وراسله ابن يملول صاحب توزر وصقره ابن قرى صاحب بسكرة وأولياؤهما من الكعوب والزواودة لما أهمهم أمر السلطان أبي العباس وخافوه على أمصارهم فراسلوا أبا حمو يضمنون له مسالمة أبي زيان على أن يوفي لهم بما اشترط له من المال وعلى أن يشب نار الفتنة من قبله على بلاد الموحدين ليشغل السلطان أبا العباس عنهم على حين عجزه وضعف الدولة عنه فأوهمهم من نفسه القدرة وأطمعهم في ذلك وما زال يراجعهم ويراجعونه بالمقاربة والوعد إلى أن أحيط بابن يملول واستولى السلطان على بلده فلحق ببسكرة وهلك بها لسنة من خروجه آخر سنة إحدى وثمانين وسبعمائة وبقي ابن مزني من بعده متعللا بتلك الأماني الكاذبة إلى أن ظهر أمره وتبين عجزه فراجع طاعة السلطان أبي العباس واستقام على الموادعة ولحق الأمير أبو زيان بحضرة السلطان بتونس فنزل بها أكرم نزل مؤملا منه المظاهرة على عدوه والحال بالمغرب الأوسط لهذا العهد على ما شرحناه مرارا من تغلب العرب على الضواحي والكثير من الأمصار وتقلص ظل الدولة عن القاصية وارتدادها على عقبها إلى مراكزها بسيف البحر وتضاؤل قدرتها على قدرتهم وإعطاء اليد فى مغالبتهم ببذل رغائب الأموال وإقطاع البلاد والنزول عن الكثير من الأمصار والقنوع بالتغريب بينهم إغراء بعضهم ببعض والله ولي الأمور.